أراءسياسةعمالة أكادير إداوتنانمجتمعوطني
أكادير نحو هندسة أمنية جديدة وتحول من المراقبة التقليدية إلى الأمن الذكي الإستشرافي.
د/الحسين بكار السباعي - محلل سياسي وخبير إستراتيجي.

مثل إحداث مركز القيادة والتنسيق للوحدات المتنقلة لشرطة النجدة بأكادير تحولا نوعيا في هندسة الأمن الحضري، بما يتيحه من بنية رقمية متقدمة تجعل الاستباق نهجا أصيلا في تدبير المخاطر بدل الارتهان لرد الفعل، خاصة أنه يمكن من تتبع أنماط الجريمة ورصد تغيراتها في الزمن الحقيقي، بما يعزز قدرة الأجهزة الأمنية على إعادة رسم الخريطة الإجرامية وفق معطيات دقيقة ومتجددة.
إن هذا الإنجاز لا يقتصر فقط على التجهيزات التقنية، بل يفتح الباب أمام عقلنة عميقة لعمل الوحدات المتنقلة، من خلال توجيه التدخلات على نحو يختزل زمن الإستجابة والتدخل ويرفع من نجاعة حماية الفضاءات العامة ويقوي الحضور الوقائي للوحدات الأمنية داخل النسيج الحضري. فقد أثبتت التجارب الأمنية السابقة في مدن مغربية عدة نجاعة هذا التوجه، إذ ساهمت شبكات المراقبة الحضرية ونظم القراءة الآلية للوحات السيارات، وإستعمال الطائرات المسيرة(درون)، وتوسيع البنيات الترابية للأمن، في الرفع من فعالية الردع والكشف، وتطوير وسائل التحليل والإستشعار الأمني، وتجويد التدخلات الميدانية بما يتماشى مع تطور الجريمة وإمتدادها. غير أن إدماج هذه التقنيات يظل رهين إرادة مؤسساتية واعية تحسن إستثمار المعطيات الرقمية، وتوازن بين حماية الأمن وصون الحقوق، وتضمن إستدامة التجهيزات وتحسين توزيعها المجالي، حتى لا تبقى حكرا على المدن الكبرى أو محصورة في المحطات الحيوية فحسب. ومن شأن مركز القيادة الجديد أن يرسخ داخل مدينة أكادير وعيا أمنيا مواكبا لتحولات العصر، يطمئن المواطنين، ويحد من الجريمة العادية والعابرة، ويمنح المدينة قدرة متقدمة على التوقع والتدبير الذكي للأحداث، مما يجعلها نموذج وطني للأمن الرقمي القائم على التحليل الآني للمعطيات وتنسيق الجهود بين مختلف مكونات الشرطة، ويهيئها لمرحلة جديدة يكون فيها الأمن دعامة أساسية للتنمية والإستقرار وجودة العيش.
ختاما، إن هذا التطور الذي تعيشه مدينة أكادير يشكل إمتداد مباشر لنهج إستراتيجي راسخ إعتمدته المديرية العامة للأمن الوطني، قوامه الحكامة الجيدة وتحديث البنيات والوسائل وتطوير كفاءات الموارد البشرية، بما يجعل الأداء الأمني أكثر نجاعة وارتباط بالتحليل العلمي للمعطيات. وقد أثبت هذا المسار أن الأمن لم يعد مجرد جهاز للتدخل عند وقوع الجريمة، بل منظومة إستشرافية قادرة على التوقع والوقاية وإدارة المخاطر في إطار يحترم القانون ويحمي حقوق المواطنين. وبهذا التحول تترسخ مكانة المغرب كنموذج وطني في الأمن الحديث، يعيد تعريف مفهوم الحماية عبر ذكاء مؤسساتي يجعل من الأمن رافعة للإستقرار والتنمية وتعزيز الثقة بين المواطن والدولة.



