المغرب…علاقة المرأة و الرجل : بين دعوات التزمت و الإنحلال !!
بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين ،اكادير،فبراير،2024
أصدقكم القول ، لا ادري لماذا كلما فتحت قناة من القنوات الدينية ووجدت بها برامج تدعوا أبناء القرن الواحد و العشرين ان يعيشوا فيه بعادات و تقاليد اقوام من السنوات الاولى للهجرة النبوية الشريفة . كلما أحسست حجم التناقض الذي يعيشه هؤلاء حين يتناقضون مع انفسهم ،فهم يقرون ان القرآن لكل مكان و زمان ، لكنهم يدفعون بالمسلمين ان يعيشوا بقيم زمان يختلف عن المكان .
واصدقكم القول ، أنني كلما استمعت لمحاضرة هنا او هناك ممن يدعون إلى إتباع توصيات المنظمات الدولية التي تصنف الدول بحسب اتباعها لنمط جاهز باسم الامم المتحده و المنتظم الدولي ، تجدني استغرب كيف يراد بنا و لنا أن نعتنق قيما لا يقبل بها مجتمعنا لا لشيئ سوى لأنها عالمية .
وفي حقيقة الأمر فإن القيم و المعارف و حتى انماط التدين في اي دين كيفما كان ، كانت تتنقل بين الشعوب و الحضارات على ظهور قوافل التجارة و البحارة و عشاق السفر ، لكنها لا تقدم لتلك الشعوب انها هي الخلاص و طوق النجاة ، بل هي تتسلل بليونة و يسر حسب ما يتلائم منها مع كل مجتمع .
و الغريب في هذا النقاش ،أنه فيه ما يشبه الإستلاب و الإغتراب ، و محاولة تلبيس المجتمع لبوسا غير لبوسه إما بإسم الدين او باسم التحرر من الدين .
فمثلا عندنا في المغرب كبرنا على لباس مغربي عند الرجل و المرأة ، و هو لباس من إبداع الصانع التقليدي و من وحي الحياة اليومية في البوادي ، و يمكن ان نلخص خصائصه في السترة عند الجنسين ،وتفادي الألوان المثيرة عند الكبار و الإكتفاء بها عند الصغار ، و التمييز بين لباس العمل و لباس المناسبات …
وعندما جاءت التيارات الخارجية بحدة و قوة فاقت ليونة التيارات القادمة عبر القوافل ، تبين أن الأمر لم يعد تلاقحا ثقافيا تمليه سيرورة الحياة ،ولكنه تحول إلى غزو ثقافي متوحش .
لا اعرف ما الذي حول لباس المرأة المغربية الى هذا التجاذب بين لباس اوروبا و المشرق ، والاول باسم التحرر و الثاني باسم الدين ، وكأن بلادنا لم تكن بها حضارة و لا كان لشعوبها عادات و لا تقاليد .
إن آفة من يسمون أنفسهم بالدعاة و المفتين – بالمفهوم السلبي المصطلح- هو أنهم يريدون ان نعتنق دين بني أمية و نحن نعتنق دينا ادخله علينا الشيعة الفاطميين و لكننا اتبعناهم فيما انزل الله و لم نتبعهم في بدعهم في تفسير ما انزل الله .
اللباس للحشمة ، والحشمة هي عادة راسخة عندنا وجاء الاسلام و كرسها ، فليس الإسلام هو من جاء بها ، بل توافق المجتمع و الاسلام حولها ، و الجميل في المجتمع انه يضع لك حدود الحشمة لكنه لا يتدخل في نوع الثوب و لونه و جودته و لا في خياطته وطرزه ، و في الاسلام الصحيح ، لا يتدخل الاسلام في نفس ما لا يتدخل فيه المجتمع و تعود الحرية فيه للفرد وفق الادواق و ما توفر في الاسواق وما لا يتجاوز الحدود و النطاق .
لكن اسلام اليوم يدعونا ان نكون افغانيين في المغرب ،او نكون مشرقيين في المغرب وهذا ليس من الاسلام في شيئ . نعم لقد نزل الاسلام على قوم قريش بالمشرق ، لكنه اسلام كل الأزمنة و الأمكنة في قيمه و عباداته ومعاملاته وليس في نمط العيش و الملبس و المأكل .
وآفة من يسمون أنفسهم بالمحدثين و الحداثيين – بالمفهوم السلبي المصطلح – هي أنهم في إعتقادهم ان ملائمة تشريعات مجتمعنا مع تشريعات الغرب ستكون هي السبيل و الطريق الى التحرر و الانعتاق ، ان الحرية هي ما يراها الآخرون و ليس كما عاشها اسلافنا الاولون ، ولا كيف نحن نريد ان نعيشها .
لذلك اردت لكل النساء ان يكن مغربيات في السلوك و اللباس و العقلية ، وان يتسابقن الى العلوم و يكن من الاوليات في كل المسابقات الدينية و الرياضية و العلمية و الأدبية، لكن بعيدا عن تقليد قوم قريش أو الافغان ولا الارتماء في احضان الغرب و العري و الإفتتان ،
كوني مغربية الروح و الجسد ، و إعبدي ربك الواحد الاحد ،و أحبي رسوله المصطفى الامين ، لكن لا تتركي احدا يحولك الى اي إمرأة من اي زمن آخر ، فالإسلام يريدك ان تكوني انت بكل جوارحك و صدق عبادتك بلا تبعية و لا تقليد .
والمحصنات في باقي الشعوب لا يعشن ما تريدنا هذه التيارات ان نعيشه، بين إما كاسيات عاريات او مدفونات في أكياس و ملفوفات في نمط لباس كالمعلبات.
اما الرجال ،فعندما لم يجدوا سبيلا لتغيير لباسه لتقاربه مع ما يقدمون كبديل ،توجهت بوصلتهم الى شعره ، فبدأت رحلة العبث بملامح و وجوه و هيئة الرجال ، فاللحية و السواك و تحسينة القرد و السيجار ، و فقد الرجال هيبتهم بلحية طالت حتى اصبحت أشبه بمخلوقات الكهوف ، و بين مقص حلاق يتفنن في تحويل شعر الرؤوس الى لوحة تشكيلية سيئة الإخراج .
يراودني دائما ذلك السؤال الذي نتحاشى الغوص في تفاصيله:
ما دمنا مصرين على اخد النموذج الغربي او النموذج المشرقي و الافغاني في اللباس و العادات و نعتبرها هي اصل الدين وهي اصل الحقوق الكونية ، لماذا مثلا لا ننقل القيم القادمة من الحضارات العريقة مثل اليابان و الصين و الكوريتين ؟
هذه الاقوام رغم انها ليست بالمسلمة لكنها لها عاداتها وتقاليدها و دياناتها بما فيها الاسلام ، فلماذا لا نقدمها على انها هي النموذج و المرجع في القيم الكونية . ألم تنجح اقتصاديا و سياسيا و ثقافيا و مجتمعيا ؟
فمثلا على مستوى الأسرة ، فنظام العلاقات الأسرية عند هذه الشعوب أشبه بنظامها عندنا بالمغرب ، و تقديس الحياة الزوجية و العلاقات المجتمعية متشابه وفيه رفع لقيمة الانسان ، عكس الغرب الذي يكرس الإنحلال و التفكك الأسري لانه يعطي الأولوية لحرية الفرد على حساب الجماعة ، وعكس اسلام بني أمية الذي حول الشريعة من الكتاب و السنة ليشرعها على اجتهادات الاجماع و القياس ليكرس رجل الدين كوسيط بين العبد وخالقه ضدا في ما جاء به كتاب الله ووحي نبي المصطفى صلى الله عليه وسلم.
إن تلاقح الثقافات ، و تعايش الحضارات و تطور التشريعات وفق الحيوات ، كلها امور حدتث و ستحدث ما دام الكون و ما دام البقاء فيه ، و اما الدين فهو يشرع علاقة المخلوق بخالقه ، و يؤطر علاقة المخلوقات مع نفسها وفيما بينها ، لكنه بالمطلق لا يريدهم نمطا واحدا في العيش فقد خلقهم شعوبا و قبائل و دعاهم الى التعارف و جعل ميزان التعايش هو الكرم و التقوى ،وما دون ذلك فهو مجرد نزوات فكرية ثارة باسم الدين و ثارة باسم الحقوق و الحريات .
والحال ان الانسان أكرمه خالقه ، وهذا يكفي
فهل تعتبرون ؟