
بقلم: العربي ارموش – عضو مستشار بجماعة سيدي أحساين أوعلي
ليست كل الخرائط التي تُرسم في المكاتب تعكس حقيقة الميدان، فبين خطوط الورق وتضاريس الواقع تتسع الهوة، ويضيع التوازن المجالي الذي يُفترض أن يُوجّه التنمية بعدالة.
هذا ما تعيشه اليوم جماعة سيدي أحساين أوعلي بإقليم سيدي إفني، حيث يبرز التفاوت الواضح بين ما يُعرف محليًا بـ “أهل الجبل” و**“أهل السهل”**، في مشهد يجسد مفارقات تقسيم إداري لم يُراعِ لا الجغرافيا ولا حاجات الإنسان.
ففي الوقت الذي كان الهدف من إحداث الجماعات الترابية هو تقريب الإدارة من المواطن، تحوّل الواقع في سيدي أحساين إلى العكس تمامًا، إذ أفرز التقسيم تبعية عدد من القبائل، مثل إدغزال وإدشعود وإد العرباء، لمجال إداري بعيد عن امتدادها الطبيعي والاجتماعي، مما جعل جزءًا من الساكنة يعيش عزلة إدارية وتنموية في آن واحد.
من يزور المنطقة يدرك أن الجغرافيا هنا ليست سهلة؛ الجبل يفرض قسوته والمسالك الوعرة تستهلك الوقت والجهد، بينما يظل الوصول إلى أبسط خدمة إدارية أشبه برحلة.
في غياب رؤية واقعية تراعي هذه الطبيعة، صار المواطن يتنقل بين الإدارات كما يتنقل بين القمم، في انتظار وثيقة أو خدمة قد تبدو بسيطة في مناطق أخرى.
إن الحديث عن التنمية في سيدي أحساين أوعلي لا يمكن أن ينفصل عن هذه الإشكالية الترابية.
فما لم تُبنَ السياسات على معرفة دقيقة بالفوارق بين أهل الجبل الذين يعانون من العزلة وضعف البنية التحتية، وأهل السهل الذين يستفيدون نسبيًا من قربهم من المرافق والطرق،
فإن كل البرامج ستظل حبراً على ورق.
فالمنطقة تواجه تحديات حقيقية: مسالك متهالكة، خصاص في الماء الصالح للشرب، ضعف النقل المدرسي، غياب مراكز صحية قريبة، وضعف تغطية الهاتف والأنترنت.
وهذه ليست فقط مؤشرات عن تراجع التنمية، بل عن غياب العدالة المجالية التي يجب أن تُوجّه قرارات الدولة والجماعة على السواء.
وبصفتي عضوًا مستشارًا بجماعة سيدي أحساين أوعلي، وإن كنت لست ضمن المكتب المسير، فإنني أعيش هذه الصعوبات عن قرب.
ورغم انسجامي مع الأغلبية داخل المجلس، إلا أن الواقع يُحتّم الاعتراف بأن ميزانية الجماعة محدودة جدًا مقارنة باتساع رقعتها الجغرافية ووعورة تضاريسها، مما يجعل تلبية حاجيات السكان مهمة شبه مستحيلة.
فكيف يمكن لموارد مالية بسيطة أن تغطي كل هذه المطالب الأساسية في مجالات الطرق، الماء، التعليم، الصحة، والنقل المدرسي؟
إن المشكلة ليست في النوايا ولا في الجهود، بل في هيكلة إدارية لا تُنصف المنطقة.
لقد آن الأوان لإعادة النظر في هذا التقسيم الترابي الذي تجاوزته التحولات الديموغرافية والاجتماعية.
فأهل الجبل وأهل السهل، رغم اختلاف موقعهم الطبيعي، ينتمون إلى نسيج واحد، ويستحقون جميعًا نصيبهم من التنمية والخدمات.
إعادة رسم الحدود اليوم ليست ترفًا إداريًا، بل ضرورة تنموية تفرضها العدالة المجالية وروح الإنصاف الترابي.
فالخريطة يجب أن تخدم الإنسان، لا أن تُعقّد حياته، وأن تُصاغ انطلاقًا من الواقع، لا من خرائط المكاتب البعيدة.
قد تتغير القوانين والمجالس، لكن ما لم تتغير نظرتنا إلى التراب بوصفه فضاءً للإنسان قبل أن يكون حدودًا للسلطة،
ستبقى جماعة سيدي أحساين أوعلي، بأهلها من الجبل والسهل، تناضل من أجل حق بسيط:
أن تصل التنمية إلى الجميع بعدل وكرامة.