بقلم الدكتور سدي علي ماءالعينين ،اكادير، شتنبر 2024.
هل يمكننا القول وبلا تحفظ ان اكبر آفة تنخر الاسر و من خلالها المجتمع هي الخلل الحاصل في علاقة الآباء بالابناء .
العديد ممن نلتقيهم يجمعون على ان تربية الابناء في هذه العصر من الامور التي يصعب ضبطها او حتى فهمها .
اول مظاهر هذه الآفات ،ان الإبن في مراحل التلقي في طفولته وصباه وشبابه لا يخضع لمعايير واضحة ،خاصة وان الاسرة لا تستطيع منع اطفالها من ولوج الشارع كضرورة مجتمعية ، وهذا الشارع تحول الى وحش لم يعد يضمن الامان لاطفالنا ، فالشارع غارق في المفاسد و البلاوي التي تبدأ من تعلم الكلام النابي الى تناول كل اشكال المخدرات ،والتشبع بقيم الفردانية و الانانية و حب الذات .
اما داخل البيوت فليس ممكنا منع الاطفال من الاستعمال المفرط للتكنولوجيا من هواتف و لوحات وحواسيب و اجهزة العاب ،هذه الآلات التي بدات تستحود على عقول الابناء حد الاستيلاب و تدفع بهم الى تقليص تفاعلهم المنزلي مع الآباء والإخوة ،و ربط الاتصال الدائم مع عالم افتراضي ليس كله سليما من الشوائب .
اما في المدرسة ، فلم يعد الاستاذ ملهما يحفز الاطفال على الإبداع في وسط مدرسي فقد هبته و معناه التربوي و تم اغراقه في دوامة التحصيل الدراسي لمناهج اكل عليها الذهر وشرب ، و غابت القدوة من الاستاذ و الرفقة الطيبة من التلاميذ ، فكثر اصدقاء السوء الذين تربت لديهم غريزة محاربة ومضايقة كل سوي منضبط وملتزم .
يؤكد الآباء ان علاقتهم مع الابناء مبنية على ثنائية التربية و التعلم ، اما التربية فلم يعد الآباء هم المصدر الوحيد للتوجيه في زمن يتلقى فيه الابناء وابلا من المعطيات و المعلومات لا تخضع لرقيب ،تاتي كلها من شاشات ولوحات الكترونية تنقل الطفل من واقعه لتسافر به في عوالم لا يضبطها معيار السن ولا الوعي و لا الوسك الاجتماعي .
اما التعلم فإن آفة المدرسة اليوم انها غارقة في شعب ومقررات بعيدة عن اهتمامات اطفال اليوم ،ومنحها شواهد بعيدة عن حاجيات سوق الشغل ،مما ينتج عنه إحساس بالإنحباس .
مؤكد ان التعليم ببلادنا ليس بخير ،لكن ذلك لا يعني ان اطفالنا لا يملكون ملكة التعلم ، بل إن هناك إعتقاد ان المغاربة لديهم ملكات فطرية تعطيهم القدرة على تعلم كل شيئ و بسرعة و التفوق فيها . لكن هناك رفض معلن للمقررات التي لازالت تبارح مكانها ، فلا احد يفهم دواعي اصرارنا على تلقين اطفالنا دروسا عن الازمة العالمية في عشرينيات القرن الماضي ،في حين ان العالم عرف ازمات فاقت هذه الازمة في تأثيرها على العالم .
نفور التلاميذ من مقررات لا تتلائم مع عصرهم يعد مأزقا تعليميا لا يعيش تبعاته التلاميذ فحسب بل حتى المدرس و الابوين ، ولا احد يستطيع تفسير دواعي الإبقاء على هذه المقررات التي بدونها لا يمكنك النجاح والحصول على الشهادة .
ولكم ان تتخيلوا حجم الإبداع الذي ابانت عنه طاقات مغربية عبر تجارب اعلامية عبر قنوات على اليوتوب ، جودة في التصوير ،وروعة في التصميم ،ودقة في اختيار المواضيع و نجاعة في تناولها ،
هؤلاء لا يجدون طريقهم الى الاعلام العمومي الغارق في برامج بعيدة كل البعد عن اهتمامات المواطن ، فتجد المشاهدين مقبلين بالملايين على قنوات اليوتوب على حساب القنوات العمومية الرتيبة والمملة .
وكاني بالدولة لا تساعد الآباء على تربية الابناء ،او انها منذ توقفت عن برامج تنظيم النسل ،اتجهت نحو رفع اليد عن تربية الابناء ومصاحبتهم في مساراتهم وخياراتهم .
الدولة توفر المدارس و المدرسين ،لكنها بقرار سياسي لا تريد لهذه المدارس ان تعين الآباء على بناء جيل واع و مثقف ومدرك لادواره في المجتمع .
اما الشارع فلا زالت تنخره ظواهر تراها الدولة و لا تكلف نفسها القيام باي مبادرة لوقفها منها المخدرات و العنف اللفظي و الجسدي ،و الغش و النفاق و الخديعة وفساد الاخلاق و انحطاط القيم …
مؤشرات لا اتردد في اعتمادها مرجعا لقناعتي بتفكك المجتمع :
الرقم المهول الذي يتحدث عن حدوث 800 حالة طلاق في اليوم بالمغرب ،
و في دراسة ميدانية بعنوان: “مغرب الأمهات العازبات”، يطالعنا رقم مفاده أن 153 طفلا يولدون يوميا خارج مؤسسة الزواج في المغرب.
في نفس الدراسة، تعطي جمعية “بيبي ماروك” أرقاما إضافية، حيث تتوزع نسبة الأمهات العازبات بين 75 في المائة في المدن، و24 في المائة في القرى.
عدد المنقطعين عن الدراسة وصل الى نسبة 12 بالمئة، حيث انتقل العدد من 334 ألف و664 خلال موسم 2021/2022 إلى 294 ألف و458 خلال الموسم الدراسي 2022/2023.
فيما تجدي برامج الاسكان والاسر مفككة ، هذه المنازل لم تعد قادرة على احتضان أسر تنكسر امام التزايد المهول لحالات الطلاق ،لتتحول الى اوكار للعلاقات الرضائية بلا وعي جنسي تنتج عنه ظواهر كاطفال الشوارع و الامهات العازبات و السحاق و اللواط …
فيما تجدي المشاريع الكبرى و الشباب المعول عليه ليعمل إما منقطع عن الدراسة واما حاصل على شواهد بعيدة عن سوق الشغل ،
فيما تجدي القوانين ،وواضعوها يتفننون في جعلها هلامية ، يكفيك محامي شاطر ليخرجك من اي جريمة كالشعرة من العجين. دون ان نتحدث عن فساد في القضاء يجعل الدرهم معيارا لتخفيض احكام تصعب فيها البراءة …
فيما تجدي المؤسسات وهي غارقة في الرتابة و الروتين الإداري و الشطط في استعمال السلطة و الفساد المالي …
فيما تجدي انتخابات ظاهرها قرار شعبي وباطنها توجيه بالمال والنفوذ و صناعة الخرائط بالإعتماد على جحافل الاميين و الفاسدين …
فيما تجدي مستشفيات رغم ضعف تركيبتها البشرية و المعداتية ، مادام العامل فيها طبيبا او ممرضا يزيدها قتامة بسبب الفساد المستشري وضعف الضمير المهني ،
وعندما يتعلق الامر بمصحات الخواص تحضر المعدات و العنصر البشري لكن الكلفة تصبح فوق القدرة و المستطاع .
إن الآباء يقاتلون في جبهة الابناء لوحدهم ،لا دولة تصاحبهم ،ولا اوضاع البلاد تسعفهم ولا برامج تنقدهم وتدعمهم ولا مؤسسات تنصفهم ولا تشريعات تحسسهم بالإطمئنان …
وعندما يقدم الآباء استقالتهم بالطلاق ،و تقدم الامهات على قتل الامومة برمي اطفالهن في الشوارع ،وحين لا تعير الدولة اهتماما للوضع ولا تتدخل لتصحيحه،
فقل السلام على الامن الروحي و النفسي و المالي و المؤسساتي للبلاد كما للعباد .
وسياتي يوم لا يمكن فيه شفاء المجتمع من امراضه ، وستتحول تلك الامراض الى ورم خبيث لا شفاء ينفع ولا اجتثاث يجدي ولا مسكنات ترضي …
لنعد الى قيمنا ،والى ديننا والى عراقة دولتنا ،و الى شهامة مواطنينا ، لنعد الى رشدنا ،فنحن بلد الحضارات و عراقة الملات و اسمى الديانات و اعرق المملكات …
فهل تعتبرون ؟