كلية الشريعة بفاس في مهب العشوائية… ادارة العميد عبد المالك عويش تجر مؤسسة عريقة نحو التراجع

كانت كلية الشريعة بفاس، لعقود طويلة، منارة علمية مضيئة ضمن المشهد الجامعي المغربي والعربي، امتدادا لتاريخ عريق لا ينفصل عن مجد مدينة فاس كعاصمة علم ومعرفة. فمن بين جدرانها تخرج فقهاء وقضاة وعلماء، ساهموا في صياغة الوعي الديني والقانوني للمغرب، واسهموا في اشعاع المملكة فكريا وثقافيا داخل البلاد وخارجها. هذه المكانة الرمزية والوظيفية جعلت من الكلية احدى الركائز الاساسية لمنظومة التعليم العالي في الحقل الشرعي، وواجهة حضارية تستمد شرعيتها من ارث جامعة القرويين المجيدة.
لكن اليوم، وفي مفارقة صادمة، تشهد هذه المؤسسة تراجعا مقلقا في ادائها، بسبب ما يوصف بـ”تسيير هاو” من طرف العميد الحالي عبد المالك عويش، الذي يبدو انه يتعامل مع الكلية كما لو كانت جمعية ثقافية محلية، لا مؤسسة اكاديمية من اعرق ما انجبته الذاكرة المغربية.
اسلوب التدبير المعتمد يتسم بالارتجال وغياب الرؤية، حيث يطغى الكم على الكيف، وتُصرف الجهود في انشطة مناسباتية شكلية لا تضيف شيئا الى رصيد البحث العلمي، ولا تنسجم مع موقع الكلية كفضاء للتكوين الرصين وانتاج المعرفة. وبدل تطوير المؤسسة وتحديث آليات اشتغالها، اختار العميد ان يحيط نفسه بنخبة من الاساتذة الذين لا يملكون الحد الادنى من الكفاءة في التسيير، ويُختزل خطابهم في مفردتي “حرام” و”حلال”، ما ادى الى شلل اداري وفكري اصاب الكلية في مقتل.
اخر مظاهر هذا التسيب الاداري تمثلت في خطأ كارثي خلال فترة الامتحانات السابقة، حيث تفاجأ الطلبة ببرمجة مادة لم تكن مدرجة، بدل المادة التي كانوا يستعدون لاجتيازها، وهو ما فجر حالة من الفوضى والتذمر، وسط انباء عن تسريب للامتحانات. وقد كادت هذه الواقعة ان تتحول الى ازمة امنية حقيقية، بعد ان اعلن الطلبة نيتهم الخروج في مسيرة احتجاجية مساء ذلك اليوم بمدينة فاس، تنديدا بما وصفوه بـ”الاستهتار بمصيرهم الدراسي”.
الاحتقان لا يقتصر على صفوف الطلبة فقط، بل يمتد ايضا الى جزء من الاطر التربوية الذين يجدون انفسهم محاصرين بمنطق اداري يفتقر للكفاءة والانفتاح، ويُغلب الحسابات الشخصية على معايير الجودة والنجاعة.
كلية الشريعة، التي كانت ذات يوم منبرا للعلماء والباحثين، اضحت اليوم مثالا حيا على كيف يمكن ان ينهار صرح اكاديمي بسبب سوء التسيير وغياب الحكامة. وبات واضحا ان استمرار العميد الحالي على راس هذه المؤسسة يُهدد ما تبقى من صورتها الاعتبارية، ويزيد من عمق الازمة التي تتخبط فيها.
في هذا السياق، ترتفع الاصوات المطالبة بتدخل حازم من رئاسة جامعة سيدي محمد بن عبد الله ووزارة التعليم العالي، لوضع حد لهذا النزيف الاداري، واعادة الاعتبار لمؤسسة لا ينبغي ان تُترك رهينة لتسيير فردي يفتقد البوصلة، ويُسيء لرمزية تاريخية لا تُقدر بثمن.
لقد آن الاوان لاعادة بناء كلية الشريعة، ليس فقط من زاوية البنية التحتية والبرامج، بل من خلال ضخ كفاءات قادرة على حمل ارثها الحضاري، واستعادة دورها كمنارة علمية حقيقية في مغرب اليوم.