أثار فيلم “نايضة” جدلاً واسعًا في الأوساط الفنية و الإعلامية في المغرب، حيث تراوحت الآراء حوله ما بين مؤيد يرى فيه مرآة صادقة لواقع الشارع المغربي، ومعارض يعتقد أنه مجرد عمل شعبوي يفتقر إلى العمق والجدية. وفي الوقت الذي يسعى فيه البعض إلى تصنيفه كعمل فني يعكس هموم الشباب والمجتمع، يراه آخرون مجرد أداة إثارة تستغل مشاعر الجمهور دون أن تقدم حلاً حقيقيًا للتحديات التي يواجهها المجتمع المغربي. ومن هذا المنطلق، سأحاول في هذا المقال تقديم وجهة نظر نقدية مخالفة لرأي الأغلبية، محاولًا تحليل الفيلم من زاوية مختلفة.
من خلال عرضه للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية، يقدم “نايضة” صورة مبالغ فيها للمجتمع المغربي. الفيلم يسلط الضوء على الفقر، البطالة، اليأس، والمشاعر السلبية السائدة بين فئة الشباب، لكنه يفعل ذلك بطريقة تضخيمية تقترب من الكاريكاتير، مما قد يثير مشاعر الغضب والاحتجاج لدى المشاهد، ولكنه لا يعكس بشكل دقيق تعقيدات الواقع المغربي. فالشباب المغربي ليسوا جميعهم عاطلين عن العمل أو يائسين، بل هناك العديد من المبادرات الشبابية التي تسعى للتغيير والإصلاح، وهناك أناس يكافحون لبناء مستقبل أفضل لأنفسهم ولبلدهم. إن تصوير هذا الواقع المعقد بهذا الشكل يبتعد عن الحقيقة ويفقد الفيلم مصداقيته، حيث يجعل من المشاهد مجرد “متفرج” على حالة متدهورة دون أن يكون لديه فرصة لفهم الصورة الحقيقية.
من ناحية أخرى، يتميز الفيلم بالاعتماد الكبير على الخطاب الشعبوي، حيث يظهر الطبقة السياسية كمصدر رئيسي لكل مشاكل الشعب، مما يخلق انطباعًا بأن الحلول يمكن أن تكون بسيطة وسريعة إذا ما تم التخلص من هذه الطبقة. هذا النوع من الخطاب قد يثير حماسة المشاهدين في البداية، ولكنه في الواقع يفتقر إلى أي تحليل عميق للمشاكل التي يواجهها المجتمع. إن الواقع السياسي في المغرب، كما في أي دولة أخرى، لا يمكن اختزاله في تصنيف سريع بين “الشعب” و”الطبقة الحاكمة”. المشكلة أعمق من ذلك بكثير وتتطلب معالجة شاملة، تتجاوز الاتهامات والتصريحات السطحية. لكن “نايضة” لا يقدم بديلًا منطقيًا أو خطة واقعية لإحداث التغيير. الفيلم يتجاهل الأبعاد المعقدة لهذه المسائل ويكتفي بتقديم حلول وهمية لا تساهم في بناء نقاش حقيقي حول مستقبل البلاد.
وعلى الرغم من انتقاده اللاذع للطبقة السياسية، فإن الفيلم يفتقر إلى تقديم حلول بديلة، وهو ما يجعل رسالته غير مكتملة. في النهاية، بدلاً من أن يساهم الفيلم في تطوير نقاش مستدام حول واقع المغرب، يكتفي بتقديم شعارات فارغة تثير الحماس ولكنها لا تقدم رؤية مستقبلية أو استراتيجيات عملية للتغيير. إن غياب الحلول البديلة أو النقاش العقلاني حول كيفية التغلب على التحديات الراهنة يعزز من شعور المشاهد بالإحباط بدلاً من أن يحفزه على التفكير في كيفية التغيير الفعلي.
ورغم الضجة الكبيرة التي أثارها الفيلم، فمن غير المرجح أن يؤدي إلى أي تغيير حقيقي في الواقع. إن المشاكل التي يعاني منها الشباب المغربي مثل البطالة، التهميش الاجتماعي، والفقر، تحتاج إلى حلول تتجاوز حدود الفن والإعلام. هذه القضايا تحتاج إلى إرادة سياسية قوية، إلى استثمارات في التعليم والتدريب، وإلى خلق فرص عمل حقيقية، وهو ما لا يمكن تحقيقه من خلال أفلام لا تطرح سوى انتقادات دون أن تقدم أي مسارات عملية للتغيير. كما أن التأثير الاجتماعي لهذا النوع من الأفلام قد يكون محدودًا، فهو قد يساهم في تعزيز مشاعر الغضب والقلق، ولكن من دون إحداث أي تحول إيجابي ملموس في الواقع.
في الختام، يمكن القول إن “نايضة” هو فيلم يثير المشاعر ولكن يفتقر إلى العمق والتحليل الجاد. قد يكون ممتعًا في ظاهره، لكنه في جوهره لا يساهم في إيجاد حلول حقيقية للمشاكل التي يعاني منها المجتمع المغربي. بدلاً من أن يكون أداة للتغيير، يظل الفيلم محصورًا في إطار الإثارة والانتقاد السطحي. وعلى الرغم من أن الفن يمتلك قدرة كبيرة على التأثير في الناس وفتح آفاق جديدة للتفكير، إلا أن “نايضة” يعجز عن استخدام هذه القدرة بشكل فعّال ومؤثر، ليصبح في النهاية مجرد صراخ في الفراغ.