رياضةسياسةمجتمعوطني

نحو حكامة قانونية جديدة للأمن الرياضي داخل الملاعب بالمغرب

د/ الحسين بكار السباعي _ خبير استارتيجي

يعتبر تنصيب مركز قضائي داخل ملعب أدرار الكبير لأكادير مرحلة مؤسساتية ذات دلالة مهمة ومتطورة في مقاربة تدبير التظاهرات الرياضية، إذ لا يندرج فقط ضمن التدابير المتخدة لحفظ النظام العام داخل ملاعب الكرة، بل يؤسس لإنتقال نوعي من منطق الزجر اللاحق إلى منطق الوقاية القانونية والردع الفوري القائم على سيادة القانون وإحترام الحقوق والحريات. فحضور العدالة داخل الفضاء الرياضي أصبح حضور عملي وفعلي، يكرس مبدأ قرب القضاء من المواطن، ويجعل القاعدة القانونية حاضرة في لحظة وقوع الفعل المخالف ذاته، بما يحد من منسوب التوتر، ويقلص الإحساس بالإفلات من المتابعة القضائية.

ومن الناحية القانونية والحقوقية، فإن هذا النموذج يعكس تطور عالمي في فهم الأمن الرياضي باعتباره منظومة متكاملة، لا تقوم على المقاربة الأمنية الصرفة، بل على تلازم وظيفي بين الضبط الأمني والمواكبة القضائية الفورية، مع إحترام الضمانات الجوهرية للمحاكمة العادلة، من قرينة البراءة، وحق الدفاع وسرعة البت دون تعسف أو إنتقاص من الحقوق. فالبث السريع في القضايا المرتبطة بالشغب، أو الولوج غير المشروع للملاعب، أو تخريب الممتلكات الرياضية العامة، لا يعني محاكمات مستعجلة خارج القانون، بل يعني قضاء قريب و فعال ورادع تحكمة قواعد المسطرة الجنائية ويستجيب لخصوصية الفعل الرياضي وزمنه وحساسيته الإجتماعية.

ومن وجهة نظرنا المتواضعة فإن هذا الإجراء يؤسس لثقافة قانونية جديدة داخل الملاعب المغربية، قوامها أن الفضاء الرياضي ليس منطقة إستثناء، بل مجال خاضع للقانون، وأن التشجيع لا ينفصل عن المسؤولية، كما أن الفرجة لا تعني الفوضى. وهو ما يعزز الإنضباط داخل المدرجات، ويحمي الجماهير ويعيد الاعتبار للملعب كفضاء آمن للعائلات والشباب، بدل أن يكون مجال للتوتر أو العنف.

إن تجربة ملعب أدرار وغيره من الملاعب الكبرى للمملكة التي تحتضن إقصائيات الكان، هي نمودج من النماذج الدولية الرائدة في الأمن الرياضي، حيث سبق أن إعتمدت فرنسا والمملكة المتحدة وإيطاليا آليات مماثلة، من خلال تخصيص قضاة للبت السريع في مخالفات الملاعب، أو إحداث وحدات قضائية قريبة من أماكن التظاهرات الكبرى، أو إعتماد عقوبات فورية كمنع الولوج إلى الملاعب لفترات محددة. وقد أبانت هذه التجارب عن نجاعة كبيرة في تقليص أعمال الشغب، وترسيخ ثقافة الإمتثال الفوري للقانون، دون المساس بحقوق المشجعين أو بحرية التعبير الرياضي.

ختاما، يعكس النموذج المغربي قدرة الدولة على إبتكار حلول مؤسساتية ذكية، تستجيب للمعايير الدولية لتنظيم التظاهرات الكبرى، ولا تختزل النجاح في البنيات التحتية وحدها، بل تربطه ببنيات قانونية وتنظيمية متقدمة. وهو ما يشكل رسالة واضحة للهيئات القارية والدولية، مفادها أن المغرب يقدم نموذج متكامل في الحكامة الرياضية، يوازن بين متطلبات الأمن ونجاعة العدالة وصون الحقوق والحريات، ويعزز موقعه كوجهة موثوقة لاحتضان المنافسات الكبرى، ليس فقط بحداثة ملاعبه، بل برصانة مؤسساته وسيادة قانونه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?