من القلب إلى الريشة: الفنانة أسماء الواتيقي تُعبّر عن واقع المرأة والمجتمع
في عالم الفن، حيث تتراقص الألوان وتتناغم الأشكال، تظهر الفنانة التشكيلية أسماء الواتيقي كنجمة مشرقة، تسطع في سماء الفن التشكيلي المعاصر، مقدمةً أعمالًا فنية تدمج بين الإبداع والروحانية، وتعكس رؤية فنية تنبض بالحياة والتجدد. تنحدر أسماء من مدينة أولاد تايمة، إحدى مدن إقليم تارودانت، التي لطالما كانت مصدر إلهامها الأول، حيث نبتت موهبتها في حضن الطبيعة الثقافية الفريدة لمنطقة سوس ماسة.
منذ نعومة أظفارها، اكتشفت أسماء حبها للفن، وكان الرسم هو أول لغةٍ تتحدث بها، حيث كانت تقضي ساعات طويلة في ركنٍ هادئ من المنزل، تلتقط تفاصيل الأشياء الصغيرة التي تمر أمام عينها، وتحولها إلى لوحات فنية ملونة تنبض بالحياة. في تلك المرحلة المبكرة، لم يكن هناك سوى قلم رصاص وألوان بسيطة، لكنها كانت تنبض بالأحلام والتطلعات. في المدرسة، تعمق شغفها بالفن أكثر فأكثر، وأخذت ترسم كل ما يثير انتباهها من صور وأشكال، مبدعةً في كل مرة رسوماتٍ تنبض بالحياة. كانت أعمالها الصغيرة تثير إعجاب معلميها وزملائها على حد سواء، وفي واحدة من أبرز محطاتها في تلك المرحلة، توجت بالمرتبة الأولى في فئة المواهب ثلاث مرات متتالية في المسابقات الفنية التي أقيمت في مدينتها، مما شكل نقطة تحول حاسمة في مسيرتها الفنية.
رغم التحديات الاجتماعية التي واجهتها، لم تثنها الظروف عن متابعة شغفها. فقد قررت أن تتحدى الصعوبات المادية التي كانت تحيط بها، وانطلقت في رحلة بحث عن الفضاء الذي يمكن أن تصقل فيه موهبتها. انخرطت في مدرسة خاصة لفن الموضة والغرافيك، حيث تعلمت أسس فن التصميم وأسرار الألوان والخطوط. هناك، وجدت ضالتها، وأدركت تمامًا كيف يمكن للفن أن يصبح أداة تعبير فريدة تجمع بين الجمال والدقة. وكان هذا التكوين الفني فرصة لتطوير مهاراتها على أكثر من صعيد، فقد أضافت إليها معرفة عميقة بعلاقة الفن التشكيلي بفن الموضة والغرافيك، لتمهد بذلك الطريق أمامها لتقديم أعمال فنية ذات طابع متميز، متشابك الأبعاد.
في 18 يونيو 2023، نظمت أسماء معرضها الأول بعنوان “ألماس، الحجر الذي ينكسر”، الذي لاقى صدى واسعًا في محيطها الفني. قد يبدو من النظرة الأولى أن العنوان يحمل في طياته شحنة من الألم والتحولات، لكنه في جوهره كان بمثابة دعوة للتأمل في مرونة الحياة وجمال التفاصيل التي يمكن أن تولد من التحديات. قد تكون بداية المعرض مليئة بالحذر، لكن النجاح الذي حققته كان بمثابة شهادة على قدرة هذه الفنانة الواعدة على ترك بصمتها في عالم الفن. أعمالها تجسد تفاعلها مع قضايا اجتماعية، خاصة تلك المتعلقة بالمرأة، وتستكشف جوانب الحياة اليومية في المجتمع، بما تحمله من تناقضات وتحديات. هي لوحات تنبض بالحياة، تعكس بأسلوبها الخاص التجارب الإنسانية التي تلامس الوجود والكينونة.
ومع مرور الوقت، تزايدت ثقتها بنفسها، بفضل خبرتها المتراكمة في تصميم الأزياء والمعارض الفنية. فالتجربة التي خاضتها في مجال الموضة كانت بمثابة جسر يربط بين عالمين فنيين مختلفين، لكنهما يتقاطعان في جوهرهما. ورغم اهتماماتها المتعددة، لم تغفل أسماء عن الحفاظ على رابطها العميق مع التراث الثقافي لمناطقتها سوس ماسة. فقد كانت مشاركتها الفاعلة في المعرض الجماعي الذي أقيم في 30 ديسمبر 2023 بالمركب الثقافي بمدينة أولاد تايمة تحت شعار “الفن التشكيلي في خدمة التراث” بمثابة خطوة هامة نحو دمج الفن المعاصر بالموروث الثقافي المحلي.
هذا المعرض، الذي أقيم بدعوة من الفنان المبدع يونس دريوش، شهد حضورًا لافتًا من فنانين ونقاد. وقد تلقت أعمالها إشادات واسعة من كبار الفنانين والمثقفين، ومنهم الفنان عبد الرزاق الساخي رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين المغاربة، والأستاذة فتيحة نقيبات، خريجة المعهد العالي للفنون التشكيلية بتطوان، بالإضافة إلى إشادة من الدكتور عماد كحمو، مدير المركز الثقافي بأيت ملول. كما كانت أعمالها محط إعجاب الفنانين المخضرمين في جهة سوس ماسة، ما يعكس المكانة التي باتت تحتلها في المشهد الفني المحلي.
ورغم الظروف الصعبة التي يواجهها الفنان التشكيلي في مدينة أولاد تايمة، حيث تفتقر إلى أروقة عرض حديثة ومعايير عصرية لعرض الأعمال الفنية، إضافة إلى غياب الرعاية الفنية الرسمية، فإن أسماء الواتيقي تواصل تحدي هذه الصعوبات بعزمٍ لا يلين. إنها مؤمنة بأن الفن لا يعترف بالحدود، وأنه قادر على تجاوز التحديات والقيود التي يفرضها الواقع. ومع رغبتها الجامحة في تطوير موهبتها، تسعى أسماء إلى توسيع أفق تجربتها الفنية، من خلال المشاركة في معارض وطنية ودولية قادمة، متطلعة إلى نشر رسالتها الفنية في مختلف أنحاء العالم، وإظهار الجانب الإنساني الجميل الذي تحتفظ به في أعماقها.
فالفن بالنسبة لها ليس مجرد إبداع، بل هو رحلة مستمرة نحو تحقيق الذات، وتوثيق اللحظات العابرة، وتحقيق التغيير الإيجابي في المجتمع.