إحرث أرضك” في طاطا: أصداء المطر تُحيي الأرض وتنثر الأمل
زين الدين بواح
في قلب الصحراء، حيث تتراقص الرمال مع هبوب الرياح وتلتقي السماء بالأرض في مشهد شاعري يعكس جفافاً طويل الأمد، يأتي إقليم طاطا ليحمل بين ثناياه تحديات فلاحية صعبة، تحاول المبادرات المحلية ملامستها بكل شجاعة. من بين هذه المبادرات تبرز “كرز أيدانك، إحرث أرضك” التي تعكس روح التحدي والإصرار على إحياء الأراضي الفلاحية التي لطالما كانت مهملة بسبب الجفاف الطويل. وعلى الرغم من قسوة الظروف المناخية، جاءت هذه المبادرة لتزرع الأمل في القلوب وتدعو الفلاحين للعودة إلى أرضهم بعد التساقطات المطرية التي أزهرت الأرض من جديد، على أمل أن يجدوا فيها مصدر رزقهم وحياتهم.
حين تهطل الأمطار على طاطا بعد سنوات من الجفاف، يبدأ الفلاحون في الأرض يدب فيها النشاط والحياة. في هذه اللحظة، تصبح الأرض كالعروس التي تنتظر أن يزينها الفلاح بيديه ويزرع فيها بذور الأمل. المبادرة تدعو الفلاحين، لا بل تحثهم، على استثمار هذه الفرصة التي تمنحها الطبيعة لهم لاستصلاح الأرض وحرثها من جديد. هي دعوة للتمسك بالأرض، للأمل في الغد الأفضل، حيث يسعى كل فلاح لاستغلال الأرض التي هي مصدر حياته ورزقه. في هذه اللحظة، تصبح الأرض أكثر من مجرد مساحة جغرافية؛ هي حلم يتجدد، وفرصة لا تُعوض.
ورغم أن هذه المبادرة تأتي في وقتٍ مثالي بعد التساقطات المطرية، فإن الفلاحين في طاطا يجدون أنفسهم مضطرين لمواجهة تحديات قد تكون أكبر من قدرتهم في بعض الأحيان. فالأرض التي كانت يوماً خصبة أصبحت الآن بحاجة إلى عناية خاصة، والمياه التي قد تكون متوفرة الآن قد لا تبقى طوال العام. وفي هذا السياق، يظل الفلاحون في طاطا يعتمدون على جهدهم الشخصي وعلى العلاقة الحميمة التي تجمعهم بأرضهم، لكنهم لا يتلقون أي دعم رسمي يخفف عنهم صعوبة الظروف.
ورغم هذه التحديات، لا يزال الفلاحون في طاطا يتشبثون بأرضهم، ويؤمنون بقدرتها على العطاء إذا ما تم استغلالها بالشكل الصحيح. لكنهم يدركون أن الزراعة في هذه المنطقة ليست مجرد عمل يومي عابر؛ هي مزيج من الصبر والتمسك بالأمل والمثابرة على الرغم من قسوة الحياة. وبينما يغرق الفلاح في معركة دائمة مع تقلبات الطقس، يبقى الأمل يحدو قلبه في أن تأتي أمطار أخرى، تعيد الحياة إلى الأرض وتغذي المحاصيل التي تنتظر أن تزدهر من جديد.
وفي إطار هذه المبادرة، يشهد الفلاحون في طاطا وحدة وتضامناً غير مسبوقين. ففي الوقت الذي يواجه فيه كل فرد تحدياته الخاصة، يتشاركون مع بعضهم البعض في المعرفة والخبرة، ما يعزز روح الجماعة والتعاون. لا يقتصر الأمر على الزراعة وحسب، بل يمتد إلى تبادل الأفكار التي تساعدهم على تجاوز الأوقات الصعبة، حيث يتعلمون من بعضهم البعض أفضل الطرق لحرث الأرض، وكيفية الاستفادة من مياه الأمطار بشكل أمثل.
وبينما تسطع شمس الأمل على أراضٍ طالما عانت من شح المياه، يصبح الفلاح في طاطا رمزاً للصمود، وصورة حية للإرادة التي لا تنكسر. ومع استمرار الأمطار، يتجدد العهد بين الفلاحين وأرضهم، ويظل الأفق مفتوحاً على احتمالاتٍ جديدة، لا سيما إذا استمرت هذه الظروف المواتية. وتظل الأرض في طاطا تروي قصصاً من الأمل والكفاح، حيث يستمر الفلاحون في حرث أراضيهم، زارعين بذور الحياة في كل زاوية، متمسكين بالأمل في موسمٍ آخر، وموسمٍ بعده، على أمل أن تتغير حياتهم وأن تبقى الأرض شاهدة على صبرهم وجرأتهم في مواجهة تحديات الحياة.
وفي النهاية، تبقى “كرز أيدانك، إحرث أرضك” أكثر من مجرد مبادرة، بل هي دعوة للعودة إلى الجذور، إلى الأرض التي هي مصدر الحياة. هي رسالة تذكير لكل فلاح في طاطا بأن الأرض، مهما جفت، تبقى وفية لمن يعتني بها، وأن الأمل، مهما طالت سنوات الجفاف، يظل حاضراً طالما هناك من يزرعه في قلوب الناس وأراضيهم.