
في خضم متغيرات اقتصادية دولية وضغوطات اجتماعية داخلية، تُواصل الحكومة المغربية إظهار التزامها الجاد بتحسين أوضاع الشغيلة وتعزيز مناخ الثقة بين مختلف الفاعلين الاجتماعيين، من خلال سلسلة من الإجراءات الهيكلية التي بدأت تعطي ثمارها تدريجياً، وعلى رأسها الرفع التدريجي للحد الأدنى للأجور في الوظيفة العمومية.
فقد أعلن مصطفى بايتاس، الناطق الرسمي باسم الحكومة، عن بلوغ الحد الأدنى الصافي للأجور 4000 درهم ابتداءً من فاتح يوليوز المقبل، في خطوة تؤكد التوجه الحكومي نحو إرساء أسس عدالة اجتماعية شاملة. هذه الزيادة، التي تأتي بالتزامن مع صرف الشطر الثاني من الزيادة العامة المحددة في 500 درهم، ليست مجرد إجراء رقمي، بل تحمل في طياتها بعداً اجتماعياً عميقاً يعكس إيمان الحكومة بأهمية تحسين أوضاع الموظفين وتحفيزهم.
وفي ظرف ثلاث سنوات فقط، ارتفع الحد الأدنى من 3000 إلى 4000 درهم، أي بنسبة زيادة بلغت 50 في المائة، وهو تطور غير مسبوق يعكس الإرادة السياسية في دعم القدرة الشرائية وتعزيز الاستقرار المهني والاجتماعي.
كما أن تطور متوسط الأجر الشهري الصافي من 8237 درهمًا سنة 2021 إلى ما يفوق 10 آلاف درهم في أفق 2026 يعكس دينامية تصاعدية تستهدف تحسين ظروف العيش وتعزيز جاذبية الوظيفة العمومية، في إطار رؤية إصلاحية شاملة تراعي التوازن بين الإمكانيات المالية للدولة ومتطلبات العدالة الاجتماعية.
وتُعد هذه الإجراءات جزءاً من حزمة أوسع تشمل مراجعة الضريبة على الدخل، حذف السلم 7، والرفع من نسبة الترقية، إلى جانب إصلاحات مست القطاعين الحيويين: التعليم والصحة. فقد تم توقيع اتفاقيات قطاعية هامة أسفرت عن زيادات معتبرة في أجور الأطر التربوية والطبية، ما يترجم فعلياً التزام الحكومة بإعادة الاعتبار إلى هذه الفئات التي تُشكل عماد التنمية البشرية.
وفي مجال التقاعد، جاء تقليص عدد أيام الاشتراك في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من 3240 إلى 1240 يوماً، كحل عملي وشجاع يُمكّن آلاف المواطنين من الاستفادة من معاشات كانوا محرومين منها، مما يعكس وعياً حكومياً بأهمية إنصاف الفئات غير المهيكلة.
وفي ظل هذه المعطيات، تبدو الحكومة المغربية، رغم الإكراهات، عازمة على المضي قدماً في تجسيد مخرجات الحوار الاجتماعي، وجعلها أدوات فعلية لتحسين معيش المواطنين، بعيداً عن الخطابات الفضفاضة، في تجربة تؤكد أن العمل المؤسساتي الجاد قادر على إحداث فرق حقيقي في حياة الناس.