ياسر الجوهري.. صوت كناوي جديد يجمع بين الأصالة والتجديد

انطلق الفنان الشاب **ياسر الجوهري** من مدينة تمنار بإقليم الصويرة، حاملاً في قلبه عشقًا كبيرًا لفن كناوة، وفي يده آلة “الكمبري” التي أصبحت رمزًا لهويته الفنية وجسرًا يربط بين الماضي والحاضر. لم تكن بدايته مجرد صدفة أو تجربة فنية عابرة، بل ثمرة شغفٍ عميق بهذا التراث المغربي العريق، وإيمانٍ راسخ بأن موسيقى كناوة ليست مجرد إيقاعات تُؤدى أو أغانٍ تُتلى، بل ذاكرة حية تعبّر عن الإنسان المغربي في تواصله مع جذوره الإفريقية وعمقه الثقافي المتجذر. من الصويرة، المهد الأول لهذا الفن، نهل ياسر من ينابيع الموسيقى الكناوية، وتعلّم أسرارها وإيقاعاتها، حتى صار يُقدّم أسلوبًا متفرّدًا يمزج فيه بين الأصالة والتجديد، ويمنح هذا الفن العريق حياة جديدة تليق بروح العصر دون أن تُفقده جوهره الروحي العميق.
منذ خطواته الأولى، أدرك الجوهري أن طريق الفن الحقيقي لا يقوم على التقليد أو التكرار، بل على الوعي والمسؤولية تجاه التراث. فعمل على تطوير أسلوب موسيقي يجمع بين روح كناوة الأصيلة والتأثيرات الموسيقية الحديثة، مؤمنًا بأن الحفاظ على الهوية لا يعني الانغلاق، بل الانفتاح الواعي الذي يضمن استمرار هذا الموروث في وجدان الأجيال الجديدة. بهذا الوعي الفني، استطاع ياسر أن يصوغ هوية موسيقية خاصة به، تقوم على التوازن بين الإبداع والانتماء، وبين الجذور المحلية والأفق العالمي.
وقد أثبت حضوره القوي في عدد من المهرجانات الوطنية التي احتفت بمواهب شابة تحمل مشعل الفن المغربي الأصيل. فكانت مشاركته في **مهرجان TalGuit’art الدولي للقيثارة بمدينة أكادير في أكتوبر 2025** محطة فارقة في مسيرته، حيث قدّم عرضًا متميزًا جمع بين الإيقاع الكناوي واللمسة المعاصرة بأسلوب أبهر الجمهور. كما تألق في **مهرجان آسا الزاك**، الذي أتاح له فرصة تعريف الجمهور الصحراوي بهذا الفن العريق، ومثّل مناسبة لترسيخ التواصل الثقافي بين مناطق المغرب المختلفة. وواصل حضوره المتميز في **مهرجان عاشوراء احشاش** الذي أضفى عليه لمسة من الفرح والروحانية الكناوية الأصيلة، إلى جانب مشاركته في **مهرجان تالويكاند** الذي جمع فنانين شبابًا من مختلف أنحاء المملكة في احتفالية موسيقية أكدت قدرة التراث المغربي على التجدد عبر الأجيال. كما قدّم عرضًا حميميًا في **مطعم Tropicana – Agadir Bay** يوم 16 أكتوبر 2025، أمتع فيه الجمهور المحلي بأداء صادق جمع بين الحس الفني الرفيع والروح الكناوية العميقة.
ولا يقتصر حضور ياسر على المنصات الفنية، بل يمتد إلى الفضاء الرقمي حيث استطاع أن يكوّن قاعدة جماهيرية واسعة من خلال نشر مقاطع موسيقية وصور من عروضه الحية عبر وسائل التواصل الاجتماعي. هذا الحضور الرقمي جعل منه فنانًا قريبًا من جمهوره، يشاركه تفاصيل تجربته الفنية، ويتيح لمحبي الموسيقى الكناوية من داخل المغرب وخارجه التفاعل مع أعماله والاقتراب من فنه.
يؤمن ياسر الجوهري بأن الفن رسالة إنسانية وروحية تتجاوز حدود الترفيه، وأن موسيقى كناوة تعبّر عن هوية جماعية تتجدد عبر الزمن. فهو يرى في هذا الفن جسرًا للتواصل بين الشعوب والأجيال، ولغة تنقل قيم التسامح والانفتاح والتوازن بين الأرض والروح. وبأدائه الصادق وصوته الذي يحمل عمق التجربة الكناوية، يسعى إلى أن يظل هذا التراث حيًا نابضًا بالحياة، لا يُختزل في الطقوس بل يتحول إلى تجربة فنية معاصرة تحترم الماضي وتواكب الحاضر.
بهذا الوعي وبإصرار الفنان الحقيقي، يواصل ياسر الجوهري مسيرته بثبات، متنقلًا بين الصويرة وأكادير وآسا الزاك، ناشرًا نغمة كناوية جديدة تُعيد إلى هذا الفن بريقه الأصيل. في كل عرضٍ يقدّمه، يفتح ياسر نافذة على الذاكرة المغربية ويكتب فصلًا جديدًا في مسار الموسيقى الكناوية الحديثة، مؤكدًا أن الأصالة ليست نقيضًا للتجديد، بل منبعه الأول وروحه الخالدة. إنه نموذج للفنان المغربي الشاب الذي يمزج بين الموهبة والوعي، بين الانتماء إلى الجذور والطموح نحو العالمية، وبين الوفاء للتراث والسعي إلى الإبداع، ليُثبت أن موسيقى كناوة ما تزال حيّة تنبض بالحياة في كل وترٍ وصوتٍ ونَفَس.