ثقافةدوليمجتمعوطني

تحول المهاجر المغربي: من تقاليد القرية إلى حياة المدينة

في زمن غير بعيد، كان المهاجر المغربي التقليدي يأتي رفقة أسرته في سيارته الخاصة من الديار الأوروبية لقضاء عطلة الصيف في شهر يوليوز أو غشت من كل سنة. أغلب هؤلاء المهاجرين كانوا يسكنون في القرى والمداشر. عند قدومهم إلى البلدة، كانوا يقضون عطلتهم في بعض الأشغال كالبناء والإصلاح وترميم منازلهم. كما كانوا يحتفلون ببعض المناسبات كالسلكة والمناسبات الأخرى، مما يخلق رواجا تجاريا في الأسواق والدوار التي يسكنونها. كانوا يفضلون قضاء إجازتهم بين الأهل والأحباب لترويح النفس ونسيان هموم الغربة.

بالإضافة إلى هذه الأنشطة، كان المهاجر التقليدي يحرص على حضور الأعراس والمناسبات والمواساة في قريته. هذه المناسبات كانت فرصة له للتعبير عن مشاعره والتمتع باللحظات السعيدة التي نادرا ما تتكرر بسبب غربته. كان حضوره في هذه المناسبات يعكس مدى ارتباطه بأرضه وأهله، ويظهر التزامه بالمشاركة في الفرح والحزن مع مجتمعه المحلي.

عند عودته من الخارج، كان يقوم بشراء الدواب وبعض الأغنام لتعزيز ثروته الحيوانية، ويجمع المحصول الزراعي لدعم اقتصاد أسرته المحلية. في مناطق مثل سوس وبعض المناطق الأخرى التي تتقاسم عادات وتقاليد مشابهة، كان المهاجر التقليدي يعيد ضخ الأموال التي جمعها في مشاريع تنموية وزراعية. كان يشيد البيوت ويحسن البنية التحتية ويشارك في الأنشطة الاجتماعية والدينية، مما يعزز من روابطه مع المجتمع المحلي ويدعم التنمية المستدامة في قريته.

على النقيض من ذلك، يظهر المهاجر الشاب العصري اليوم بمظهر مختلف تماما. هذا الجيل الجديد من المهاجرين يركز بشكل أكبر على الحياة الحضرية والاستفادة من الفرص المتاحة في المدن الكبرى. لا يظهر الكثير منهم نفس المستوى من الاهتمام ببلداتهم الأصلية، ويفضلون قضاء عطلهم في الشواطئ والمنتجعات الترفيهية. الاستثمارات التي يقومون بها غالبا ما تكون في الممتلكات الحضرية أو في تجارب استهلاكية لا تعود بالنفع على مسقط رأسهم.

هذا التغيير يعكس اختلافا في الاوصول والقيم والأولويات بين الجيلين. بينما كان المهاجر التقليدي يستثمر في قريته ويعمل على تحسين وضعها، يركز المهاجر العصري على تحقيق الراحة الشخصية والترفيه، مما قد يؤدي إلى فقدان الروابط مع المجتمعات في الارياف والبوادي وإهمال تطويرها. في المجمل، يمثل هذا التحول تحديا للتوازن بين الحفاظ على التقاليد والهوية الثقافية وبين السعي وراء حياة مريحة وحديثة. يبقى السؤال حول كيفية تحقيق توازن مستدام يحترم التراث الثقافي وفي الوقت نفسه يلبي احتياجات الأجيال الجديدة. بقلم :محمد وعراب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?